فصل: ومن مستغرب روايات أبى إبراهيم عن الشافعى ومستظرفها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: طبقات الشافعية الكبرى **


9 أحمد بن محمد بن الوليد

ويقال عون بن عقبة بن الأزرق بن عمرو بن الحارث بن أبى شمر الأزرقى القواس المكى أبو الوليد وقيل أبو محمد وقيل أبو الحسن

وهو جد صاحب تاريخ مكة

روى عن عمرو بن يحيى بن سعيد الأموى ومالك وعبد الجبار بن الورد وإبراهيم بن سعد وفضيل بن عياض ومسلم بن خالد الزنجى وجماعة

روى عنه البخارى ومحمد بن سعد كاتب الواقدى وأبو حاتم وحنبل بن إسحاق وأبو جعفر محمد بن أحمد بن نصر الترمذى شيخ الشافعية ولعله آخر من روى عنه

توفى سنة اثنتين وعشرين ومائتين على ما حرره شيخنا الذهبى ووهم بعضهم فقال سنة ثنتى عشرة وأظن الوهم سرى إلى هذا القائل من قول البخارى فارقته حيا سنة ثنتى عشرة وقد صح أنه كان حيا سنة سبع عشرة ومن ثم قال ابن عساكر مات سنة سبع عشرة أو بعدها

قلت الصحيح سنة اثنتين وعشرين

10 أحمد بن يحيى بن عبد العزيز البغدادى أبو عبد الرحمن الشافعى المتكلم

حدث عن الشافعى والوليد بن مسلم الثقفى

روى عنه أبو جعفر الحضرمى مطين

قال الدارقطنى كان من كبار أصحاب الشافعى الملازمين له ببغداد ثم صار من أصحاب ابن أبى دؤاد واتبعه على رأيه وكذلك قال الشيخ أبو إسحاق

وقال أبو عاصم هو أحد الحفاظ النساك المفتين قال والشافعى منعه من قراءة كتبه لأنه كان فى بصره سوء

وقال زكريا الساجى قلت لأبى داود السجستانى من أصحاب الشافعى فقال الحميدى وأحمد والبويطى والربيع وأبو ثور وابن الجارود والزعفرانى والكرابيسى والمزنى وحرملة ورجل ليس بالمحمود أبو عبد الرحمن أحمد بن يحيى الذى يقال له الشافعى وذلك أنه بدل وقال بالاعتزال

قلت وقال أيضا بمنكرات من المسائل

فذهب فيما نقله أبو الحسن الجوزى فى كتابه المرشد شرح مختصر المزنى إلى أن الطلاق لا يقع بالصفات محتجا بأنه لما لم يجز نكاح المتعة لأنه عقد معلق بصفة فكذلك الطلاق بصفة عقد معلق وهذا قول باطل هاجم على خرق الإجماع وهو مثل قول الظاهرية كما صرح به ابن حزم فى المحلى وغيره

أن من قال إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق أو ذكر وقتا ما فلا تكون طالقا بذلك لا الآن ولا إذا جاء رأس الشهر ولعل هذا من مفردات الظاهرية

وقد أطال الشيخ الإمام الوالد الكلام على هذا وحرر مخالفته للإجماع فى كتابه الرد على ابن تيمية فى مسألة الطلاق كتاب التحقيق الذى هو من أجل تصانيف الشيخ الإمام

قرأت على المسند أبى عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن الخباز أخبرك المسلم بن علان كتابة أخبرنا أبو اليمن الكندى أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا الخطيب أبو بكر الحافظ كتب إلى محمد بن أحمد بن عبد الله الجواليقى من الكوفة فذكر أن إبراهيم بن أحمد بن أبى حصين الهمدانى أخبرهم ثم أخبرنى القاضى أبو عبد الله الصيمرى قراءة حدثنا أحمد بن محمد بن على الصيرفى حدثنا إبراهيم بن أحمد بن أبى حصين حدثنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمى حدثنا أحمد بن يحيى أبو عبد الرحمن الشافعى حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعى حدثنا أبو النجاشى مولى رافع عن رافع قال كنا نصلى مع النبى ثم ننحر الجزور فتجزأ عشرة أجزاء ثم تطبخ فنأكل لحما نضيجا قبل أن نصلى المغرب

رواه البخارى ومسلم

11 أحمد بن يحيى بن الوزير بن سليمان بن المهاجر التجيبى أبو عبد الله المصرى الحافظ النحوى

مولاهم أحد الأئمة

روى عن عبد الله بن وهب وشعيب بن الليث وأصبغ بن الفرج وجماعة روى عنه النسائى وقال ثقة والحسين بن يعقوب المصرى وأبو بكر بن أبى داود وآخرون

ولد سنة إحدى وسبعين ومائة وكان من أعلم أهل زمانه بالشعر والأدب والغريب وأيام الناس وصحب الشافعى وتفقه له وكان يتقبل فيما ذكر بعضهم أى يستأجر الأراضى للزرع ويعمل الفلاحة فانكسر عليه بعض الخراج فحبسه أحمد بن محمد بن المدبر على ما انكسر عليه فمات فى السجن لست خلون من شوال سنة إحدى وخمسين ومائتين فيما ذكر بعضهم وذكر آخرون أنه إنما مات سنة خمسين ومائتين فى الشهر المذكور فى السجن بمصر

قال زكريا الساجى بلغنى عن محمد بن الوزير أنه قال ما شرب الشافعى من كوز مرتين ولا عاد فى جماع جارية مرتين ذكر ذلك الحاكم فى مناقب الشافعى ورأيته كذا بخط بعض المحدثين محمد بن الوزير وإنما هو أحمد بن يحيى ابن الوزير

12 أحمد بن أبى شريح الرازى

ذكر العبادى أنه قال سمعت الشافعى يقول ما تخلل الإنسان بخلال من بين أسنانه فليقذفه وما أخرجه بأصبعه فليأكله قال أبو عاصم وفيه أثر كلوا الوغم واطرحوا الفغم والوغم ما تساقط من الطعام والفغم ما تعلق بين الأسنان منه أى كلوا فتات الطعام وارموا ما يخرجه الخلال

13 محمد بن عبد الله بن عبد الحكم بن أعين بن ليث الإمام أبو عبد الله المصرى

أخو عبد الرحمن وسعد

ولد سنة اثنتين وثمانين ومائة

وروى عن عبد الله بن وهب وابن أبى فديك وأبى ضمرة أنس بن عياض وأشهب بن عبد العزيز والشافعى وبه تفقه وطائفة

روى عنه النسائى وأبو حاتم الرازى وعبد الرحمن بن أبى حاتم وابن خزيمة وأبو العباس الأصم وابن صاعد وأبو بكر بن زياد النيسابورى وجماعة

ولازم الشافعى رضى الله عنه مدة وقيل إن الشافعى كان معجبا به لفرط ذكائه وحرصه على الفقه

قال أبو عمر الصدفى رأيت أهل مصر لا يعدلون به أحدا ويصفونه بالعلم والفضل والتواضع

وقال النسائى ثقة وقال فى موضع آخر صدوق لا بأس به وقال فى موضع ثالث هو أظرف من أن يكذب

وقال أبو بكر بن خزيمة ما رأيت فى فقهاء الإسلام أعرف بأقاويل الصحابة والتابعين من محمد بن عبد الله بن عبد الحكم وقال مرة كان محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أعلم من رأيت على أديم الأرض بمذهب مالك وأحفظهم له سمعته يقول كنت أتعجب ممن يقول فى المسائل لا أدرى قال وأما الإسناد فلم يكن يحفظه

قلت إنما ذكرنا ابن عبد الحكم فى الشافعيين تبعا للشيخ أبى عاصم العبادى وللشيخ أبى عمرو بن الصلاح وكان الحامل لهما على ذكره حكاية الأصحاب عنه مسائل رواها عن الشافعى وإلا فالرجل مالكى رجع عن مذهب الشافعى

قال ابن خزيمة فيما رواه الحاكم عن الحافظ حسينك التميمى عنه كان ابن عبد الحكم من أصحاب الشافعى فوقعت بينه وبين البويطى وحشة فى مرض الشافعى

فحدثنى أبو جعفر السكرى صديق الربيع قال لما مرض الشافعى جاء ابن عبد الحكم ينازع البويطى فى مجلس الشافعى فقال البويطى أنا أحق به منك فجاء الحميدى وكان بمصر فقال قال الشافعى ليس أحد أحق بمجلسى من البويطى وليس أحد من أصحابى أعلم منه فقال له ابن عبد الحكم كذبت فقال له الحميدى كذبت أنت وأبوك وأمك وغضب ابن عبد الحكم فترك مذهب الشافعى

فحدثنى ابن عبد الحكم قال كان الحميدى معى فى الدار نحوا من سنة وأعطانى كتاب ابن عيينة ثم أبوا إلا أن يوقعوا بيننا ما وقع

قلت ثم انتهت حال ابن عبد الحكم إلى أن صنف كتابا سماه الرد على الشافعى فيما خالف فيه الكتاب والسنة وهو اسم قبيح ولقد نالته بعد هذا التصنيف محنة صعبة يطول شرحها

توفى ابن عبد الحكم فى النصف من ذى القعدة سنة ثمان وستين ومائتين

وفى المحدثين محمد بن عبد الله بن عبد الحكم غيره

رجل روى عن أحمد بن مسعود المقدسى

روى الحافظ أبو نعيم الأصبهانى حديثه فى الحلية فقال حدثنا أبو حامد أحمد ابن محمد بن الحسين قال حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم

أخبرنا أبو زكريا يحيى بن يوسف بن أبى محمد الصيرفى قراءة عليه وأنا أسمع فى ربيع الأول سنة خمس وثلاثين وسبعمائة بمصر قال حدثنا عبد الوهاب ابن ظافر بن رواج إجازة

ح وحدثنا الشيخ الإمام الوالد رحمه الله من لفظه فى يوم الجمعة ثانى عشر ذى الحجة سنة ثمان وأربعين وسبعمائة بالمدرسة العادلية الكبرى بدمشق أخبرنا عبد الرحمن بن مخلوف بن جماعة سماعا عليه أخبرنا بن رواج سماعا قال أخبرنا الحافظ أبو طاهر السلفى أخبرنا على بن محمد بن على بن محمد العلاف أخبرنى على بن أحمد بن عمر الحمامى حدثنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن مسلم الختلى حدثنا أبو سليمان محمد بن على الحرانى حدثنا الحسين بن محمد يعنى ابن الضحاك بن يحيى بمصر حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال سمعت الشافعى يحكى عن إنسان سماه أنه سئل عن العدل فقال ليس أحد يطيع الله عز وجل حتى لا يعصيه ولا أحد يعصى الله عز وجل حتى لا يطيعه ولكن إذا كان أكثر أمر الرجل الطاعة لله عز وجل ولم يقدم على كبيرة فهو عدل

قلت كذا جاء فى هذه الرواية مقيدا بقوله ولم يقدم على كبيرة وجاء فى روايات أخر مطلقا والمطلق محمول على المقيد

قال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم حدثنا الشافعى قال ذكرت لمحمد بن الحسن الدعاء فى الصلاة فقال لى لا يجوز أن يدعى فى الصلاة إلا بما فى القرآن وما أشبهه

قلت له فإن قال رجل اللهم أطعمنى قثاء وبصلا وعدسا أو ارزقنى ذلك أو أخرجه لى من أرض أيجوز ذلك

قال لا

قلت فهذا فى القرآن فإن كنت إنما تجيز ما فى القرآن خاصة فهذا فيه وإن كنت تجيز غير ذلك فلم حظرت شيئا وأبحت شيئا

قال فما تقول أنت

قلت كل ما جاز للمرء أن يدعو الله به فى غير صلاة فجائز أن يدعو به فى الصلاة بل أستحب ذلك لأنه موضع يرجى سرعة الإجابة فيه والصلاة القراءة والدعاء والنهى عن الكلام فى الصلاة هو كلام الآدميين بعضهم لبعض فى غير أمر بصلاة

قلت فى المناظرة رد على دعوى الشيخ أبى محمد فى منع الدعاء بجارية حسناء قال ابن عبد الحكم سمعت الشافعى يقول لم يثبت عن ابن عباس فى التفسير إلا شبيه بمائة حديث وقال سمعت الشافعى يقول ثلاثة أشياء ليس لطبيب فيها حيلة الحماقة والطاعون والهرم

قلت وفى آخر كتاب آداب الشافعى لعبد الرحمن بن أبى حاتم سمعت ابن عبد الأعلى يقول قال لى الشافعى لم أر شيئا أنفع للوباء من البنفسج يدهن به ويشرب

قلت والوباء غير الطاعون فلا منافاة بين الأمرين

14 محمد بن الشافعى

إمامنا الإمام الأعظم المطلبى أبى عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصى الشيخ أبو عثمان القاضى

وهو أكبر أولاد الشافعى ولما توفى والده كان بالغا مقيما بمكة وهو الذى قال له الإمام أحمد بن حنبل إنى لأحبك لثلاث خلال أنك ابن أبى عبد الله وأنك رجل من قريش وأنك من أهل السنة

سمع أباه وسفيان بن عيينة وعبد الرزاق وأحمد بن حنبل

قال الخطيب وذكر لى الحسن بن أبى طالب أنه ولى القضاء ببغداد وحدث عن عبد الرزاق وهذا القول عندى +غير صحيح+ إنما ولى القضاء بالجزيرة وأعمالها وهناك أيضا حدث وللجزريين عنه رواية

وولى أيضا القضاء بمدينة حلب وبقى بها سنين كثيرة وأعقب ثلاثة بنين منهم العباس بن محمد بن محمد بن إدريس وأبو الحسن مات رضيعا وفاطمة لم تعقب

وقيل للشافعى رضى الله عنه ما اسم أبى عثمان فقال سميته أحب الأسماء إلى محمدا

ولأبى عثمان مناظرة مع الإمام أحمد بن حنبل فى جلود الميتة إذا دبغت

وقد ذكر شيئا من حديثه الحافظ أبو عبيد الله ابن أبى زيد المعروف بابن المقرى فى كتابه فى مناقب الشافعى وأسند حديثه عن عبد الرزاق وسفيان بن عيينة وغيرهما انتهى

وروى الحاكم فى ترجمة أبى بكر محمد بن عبد الله الصبغى أحد أئمة أصحابنا عن عبد الرحمن بن أبى حاتم قال أخبرنى أبو محمد ابن بنت الشافعى قال حدثنا أبى قال عاتب محمد بن إدريس ابنه أبا عثمان فكان فيما قال له فى وعظه يا بنى والله لو علمت أن الماء البارد يثلم من مروءتى ما شربت إلا حارا

أخبرنا عمر بن حسن بن مزيد بن أميلة بقراءتى عليه أخبرنا أبو العز يوسف ابن يعقوب بن المجاور إجازة أخبرنا أبو اليمن الكندى أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا الخطيب أبو بكر الحافظ قال حدثنى الحسن بن محمد الخلال حدثنا على ابن الحسن الجراحى حدثنا عبد الله بن محمد بن زياد قال حدثنا الميمونى قال قال لى محمد بن محمد بن إدريس الشافعى القاضى قال قال لى أحمد ابن حنبل أبوك أحد الستة الذين أدعو لهم فى السحر

وبه إلى الخطيب قال وأخبرنا على بن طلحة المقرى حدثنا محمد بن العباس حدثنى جعفر بن محمد الصندلى حدثنا خطاب بن بشر قال جعلت أسأل أبا عبد الله أحمد ابن حنبل فيجيبنى ويلتفت إلى ابن الشافعى ويقول هذا مما علمنا أبو عبد الله يعنى الشافعى

قال خطاب وسمعت أحمد بن حنبل يذاكر أبا عثمان أمر أبيه فقال أحمد يرحم الله أبا عبد الله ما أصلى صلاة إلا دعوت فيها لخمسة هو أحدهم وما يتقدمه منهم أحد

قال الخطيب توفى بالجزيرة بعد سنة أربعين ومائتين

وللشافعى ولد آخر يسمى محمدا أيضا وكنيته أبو الحسن وهو من جارية اسمها دنانير ذكر أبو سعيد بن يونس أنه قدم مصر مع أبيه وهو صغير فتوفى بها فى شعبان سنة إحدى وثلاثين ومائتين

ومن روايات أبى عثمان عن أبيه رضى الله عنه

روى البيهقى فى أحكام القرآن عن الحاكم أن أبا أحمد بن أبى الحسن أخبره قال حدثنا عبد الرحمن بن محمد الحنظلى حدثنا أبى حدثنا عبد الملك بن عبد الحميد الميمونى قال حدثنى أبو عثمان محمد بن محمد بن إدريس الشافعى قال سمعت أبى يقول ليلة للحميدى ما تحتج عليهم يعنى على أهل الإرجاء بآية أحج من قوله عز وجل ‏{‏وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ‏}

ومن الرواية عن أبى عثمان رحمه الله أخبرنا شيخ الشافعية أبو إسحاق إبراهيم ابن شيخ الشافعية أبى محمد عبد الرحمن ابن إبراهيم الفزارى فى كتابه إلى والمسند أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ابن الخباز سماعا عليه قالا أخبرنا المسلم بن محمد بن غلان القيسى قال أبو إسحاق سماعا وقال ابن الخباز إجازة

ح وأخبرنا أبو حفص عمر بن الحسن المراغى بقراءتى عليه قال أخبرنا يوسف بن يعقوب بن المجاور إجازة قالا أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندى أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز أخبرنا الحافظ أبو بكر الخطيب حدثنى محمد بن يوسف النيسابورى قال حدثنا يحيى بن على الصواف بمصر من لفظه حدثنا أبو بكر محمد بن على النقاش حدثنا نعمان بن مدرك الرسعنى حدثنا أبو عثمان محمد بن محمد بن إدريس الشافعى إملاء برأس العين أخبرنا أبى محمد بن إدريس الشافعى رضى الله عنه قال سمعت محمد بن على بن شافع عمى يحدث عن عبد الله بن على بن السائب عن عمرو بن أحيحة بن الجلاح عن خزيمة بن ثابت قال سأل رجل رسول الله عن إتيان النساء فى أدبارهن فلما ولى دعاه أو أمر فدعى فقال ‏(‏ كيف قلت فى أى الخرزتين أو الخربتين أو من دبرها فى قبلها أم من دبرها فى دبرها قال إن الله لا يستحيى من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن ‏)‏

15 إبراهيم بن خالد بن أبى اليمان أبو ثور الكلبى البغدادى

الإمام الجليل أحد أصحابنا البغداديين قيل كنيته أبو عبد الله ولقبه أبو ثور روى عن سفيان بن عيينة وابن علية وعبيدة بن حميد وأبى معاوية ووكيع ومعاذ بن معاذ وعبد الرحمن بن مهدى والشافعى ويزيد بن هارون وجماعة

روى عنه مسلم خارج الصحيح وأبو داود وابن ماجة وأبو القاسم البغوى والقاسم بن زكريا المطرز ومحمد بن إسحاق السراج وجماعة

قال أبو بكر الأعين سألت أحمد بن حنبل ما تقول فى أبى ثور قال أعرفه بالسنة منذ خمسين سنة وهو عندى فى مسلاخ سفيان الثورى

وقال ابن حبان كان أحد أئمة الدنيا فقها وعلما وورعا وفضلا وخيرا ممن صنف الكتب وفرع على السنن وذب عنها وقمع مخالفيها

قلت قوله وخيرا به تمام الكلام وقوله ممن صنف الكتب ابتداء كلام آخر الجار والمجرور منه فى موضع الخبر والمبتدأ محذوف تقديره وهو ممن صنف إلى آخره وليس الجار والمجرور متعلقا بقوله وخيرا فيما يظهر فليس أبو ثور خيرا ممن صنف الكتب على الإطلاق

وقال الخطيب كان أبو ثور أولا يتفقه بالرأى ويذهب إلى قول أهل العراق حتى قدم الشافعى بغداد فاختلف إليه ورجع عن الرأى إلى الحديث

وقال أبو حاتم هو رجل يتكلم بالرأى فيخطئ ويصيب وليس محله محل المسمعين فى الحديث

قلت هذا غلو من أبى حاتم وليس الكلام فى الرأى موجبا للقدح فلا التفات إلى قول أبى حاتم هذا وهو من الطراز الأول الذى قدمناه فى ترجمة أحمد بن صالح المصرى

وأبو ثور أظهر أمرا من أن يحتاج إلى توثيق وقد قدمنا كلام أحمد بن حنبل فيه وكفى به شرفا

وعن أحمد أيضا أنه سئل عن مسألة فقال للسائل سل غيرنا سل الفقهاء سل أبا ثور

وقال النسائى هو أحد الفقهاء ثقة مأمون

وقال أبو عبد الله الحاكم كان فقيه أهل بغداد ومفتيهم فى عصره وأحد أعيان المحدثين المتقنين

وعن أحمد بن حنبل وسئل عن أبى ثور أنه قال لم يبلغنى إلا خير إلا أنه لا يعجبنى الكلام الذى يصيرونه فى كتبهم

قلت وليس فى هذا إن ثبت عن أحمد حط من قدر أبى ثور لا سيما وقد تقدم من كلام أحمد فى تعظيمه ما تقدم

وقال أبو عمر بن عبد البر كان حسن النظر ثقة فيما يروى من الأثر إلا أن له شذوذا فارق فيه الجمهور وقد عدوه أحد أئمة الفقهاء

قلت لا يعنى شذوذا فى الحديث بل فى مسائل الفقه التى أغرب بها وسنحكى منها طائفة

وقوله وقد عدوه أحد أئمة الفقهاء جار مجرى الاعتذار عنه فيما يشذ به وأنه بحيث لا يعاب على مثله الاجتهاد وإن أغرب فإنه أحد أئمة الفقهاء وإذا عرفت ما قيل فيه علمت أنه لم يصب بجرح ولله الحمد

وأنا أجوز أن يكون قول أبى حاتم ليس محله محل المسمعين فى الحديث مع كونه غير قدح مصحفا فى الكتب وأنه إنما قال محل المتسعين أى المكثرين فإن أبا ثور لم يكن من المكثرين فى الحديث إكثار غيره من الحفاظ وقد رأيت اللفظة هكذا بخط بعض محدثى زماننا فى الحكاية عن أبى حاتم ولا شك أن الفقه كان أغلب عليه من الحديث وكان المحدثون إذا سئلوا عن مسائل الفقه أحالوا عليه وقد قدمنا ما يدل على ذلك

وأخبرنا المسند أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن الخباز بقراءتى عليه أخبرنا المسلم بن محمد بن علان إجازة أخبرنا زيد بن الحسن الكندى أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا الحافظ أبو بكر الخطيب

ح وأخبرنا الحافظ أبو العباس بن المظفر بقراءتى عليه أخبرنا أبو حفص عمر بن عبد المنعم بن القواس أخبرنا القاضى عبد الصمد الحرستانى أخبرنا نصر الله المصيصى أخبرنا نصر المقدسى أخبرنا الخطيب أخبرنا محمد بن أحمد بن على الدقاق حدثنا أحمد ابن إسحاق النهاوندى بالبصرة حدثنا الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد بالبصرة حدثنا أبو عمر أحمد بن محمد بن سهيل حدثنى رجل ذكره من أهل العلم قال ابن خلاد وأنسيت أنا اسمه قال وقفت امرأة على مجلس فيه يحيى بن معين وأبو خيثمة وخلف بن سالم فى جماعة يتذاكرون الحديث فسمعتهم يقولون قال رسول الله ورواه فلان وما حدث به غير فلان فسألتهم عن الحائض هل تغسل الموتى وكانت غاسلة فلم يجبها أحد منهم وكانوا جماعة وجعل بعضهم ينظر إلى بعض فأقبل أبو ثور فقالوا لها عليك بالمقبل فالتفتت إليه وقد دنا منها فسألته فقال نعم تغسل لحديث القاسم عن عائشة أن النبي قال لها ‏(‏ إن حيضتك ليست فى يدك ‏)‏ ولقولها كنت أفرق رأس النبي بالماء وأنا حائض قال أبو ثور فإذا فرق رأس الحى فالميت أولى به فقالوا نعم رواه فلان وأخبرناه فلان ونعرفه من طريق كذا وخاضوا فى الروايات والطرق فقالت المرأة فأين أنتم إلى الآن قال عبيد بن محمد البزار صاحب أبى ثور توفى أبو ثور فى صفر سنة أربعين ومائتين

ومن المسائل عن أبى ثور والفوائد

نقل العبدرى أن الدين مقدم على الوصية عند الفقهاء كلهم إلا أبا ثور فإنه قدم الوصية

وهذا غريب مصرح بحكاية الإجماع على خلافه فلعل إجماعهم لم يبلغ أبا ثور ولعله ينازع فى وقوع الإجماع على ذلك أو لعل ما نقله العبدرى غير ثابت فقد نقل ابن المنذر عن أبى ثور فيمن أوصى بعتق عبده على أن لا يفارق ولده وعليه دين محيط بماله أنه أبطل الوصية وقال يباع فى الدين فإن أعتقه الورثة لم يجز عتقهم وهذا يخالف ما نقله العبدرى

نقل الفورانى فى العمد أن أبا ثور قال لا تقطع اليد إلا فى خمسة دراهم

قلت وهو يشابه قوله أقل الصداق خمسة دراهم

نقل ابن المنذر أن أبا ثور قال إن خيار الرد بالعيب لا يكون بالرضا إلا بالكلام أو يأتي من الفعل ما يكون فى المعقول من اللغة أنه رضا

والمجزوم به عند الأصحاب أن خيار الرد بالعيب على الفور ويلزم من يعد مقالات أبى ثور وجوها فى المذهب أن يعد ذلك وجها وهو غريب

قال أبو ثور فى رجلين اجتهدا فى القبلة وأدى أحدهما اجتهاده إلى خلاف ما أداه الآخر يجوز أن يأتم كل منهما بصاحبه ويصلى كل واحد منهما إلى جهة كمن صلى حول الكعبة فإن يجوز لمن يصلى إلى جهة الائتمام بمن يصلى إلى جهة أخرى

نقله صاحب البيان

قال أبو عاصم سأل أبو ثور الشافعى عن رجل اشترى بيضة من رجل وبيضة من آخر ووضعهما فى كمه فانكسرت إحداهما فخرجت مذرة فعلى من يرد البيضة وقد أنكر ذلك

قال آمره حتى يدعى

قال يقول لا أدرى

قال أقول له انصرف فإنا مفتون لا معلمون

نقل أبو على الطبرى فيما علقه عن أبى على بن أبى هريرة فى شرح مختصر المزنى أن أبا ثور كان يلحق الزيت بالماء فيعتبره بالقلتين إذا وقعت فيه نجاسة غير مغيرة ورأيت فى جامع الخلال من كتب الحنابلة أن المروذى ذكر لأحمد أن أبا ثور كان يلحق السمن والزيت بالماء

قلت فابن أبى هريرة اقتصر على نقله عن أبى ثور فى الزيت والمروذى ذكره فى السمن أيضا

والظاهر أن جميع المائعات سواء والمعروف فى المذاهب أن غير الماء من المائعات ينجس بملاقاة يسير النجاسة وإن بلغ قلالا

قال النووى فى شرح المهذب وهذا لاخلاف فيه بين أصحابنا ولا أعلم فيه خلافا لأحد من العلماء وسبق الفرق بينه وبين الماء فى الاستدلال على أبى حنيفة وحاصله أنه لا يشق حفظ المائع من النجاسة وإن كثر بخلاف الماء انتهى ونقلته من خطه

وقد نقل بعد ذلك بنحو عشرة أوراق أن صاحب العدة حكى عن أبى حنيفة أن المائع كالماء إذا بلغ الحد الذى يعتبرونه وأما الفرق الذى ذكره فقد رأيت القفال الكبير فى أوائل كتاب محاسن الشريعة فى باب ذكر النجاسات أشار إليه فقال ما حاصله إن صون المائعات بالتغطية ممكن ومعتاد قال والماء خلقه الله تعالى يحتاج إليه جميع الحيوان ويكثر ما لا يكثر غيره من المائعات

وفى هذا الفرق إشارة إلى اعتبار الغلبة فلا ينبغى أن ينجس بيسير النجاسة من المائع الكثير الزائد على قدر قلتين إلا ما جرت عادة الناس بحرزه فى الإناء أما لو فرض أن يخلق الله بحرا من زيت فلا ينبغى أن يحكم بنجاسته بوقوع ما لا يغيره من النجاسات فإن المحكوم بنجاسته إنما هو ما يعتاد من المائعات

وإنما ذكرت هذه الصورة لوقوع البحث فيها وظن بعض الناس أن كل مائع ينجس بيسير النجاسة فقلت له ذلك فى المائعات المعتادة أما هذه الصورة فلا وجود لها ولم يتكلم السابقون فيها ولا نجد مصرحا من الأصحاب بها بل هذا الفرق يرشد إلى أن الحكم فيها بخلاف ما توهم

قال أبو ثور سمعت الشافعى يقول حضرت مجلسا وفيه محمد بن الحسن بالرقة وجماعة من بنى هاشم وقريش وغيرهم ممن ينظر فى العلم فقال محمد بن الحسن قد وضعت كتابا لو علمت أن أحدا يرد على منه شيئا تبلغنيه الإبل لأتيته قال فقلت له قد نظرت فى كتابك هذا فإذا ما بعد البسملة خطأ كله قال وما ذاك قلت له قال أهل المدينة كذا فإن أردت كلهم فخطا لأنهم لم يتفقوا على ما قلت وإن أردت مالكا وحده فأظهر فى الخطأ إذ ليس هو كل أهل المدينة وقد كان من علماء المدينة فى زمنه من يشتد نكيره عليه فأى الأمرين قصدت فقد أخطأت

قال أبو ثور قال لى الشافعى قال لى الفضل بن الربيع أحب أن أسمع مناظرتك للحسن بن زياد اللؤلؤى قال الشافعى فقلت له ليس اللؤلؤى فى هذه الجهة ولكن أحضر بعض أصحابى يكلمه بحضرتك فقال أو ذاك فقال أبو ثور فحضر الشافعى وأحضر من أصحابنا كوفيا كان ينتحل قول أبى حنيفة فصار من أصحابنا

قال فلما دخل اللؤلؤى أقبل الكوفى عليه والشافعى والفضل بن الربيع حاضران فقال له إن أهل المدينة ينكرون على أصحابنا بعض قولهم وأريد أن أسأل عن مسألة من ذلك

فقال له اللؤلؤى سل

قال ما تقول فى رجل قذف محصنة وهو فى الصلاة

قال فسدت صلاته

قال فما حال طهارته

قال هى بحالها

قال فما تقول إن ضحك فى صلاته

قال يعيد الطهارة والصلاة قال فقال له قذف المحصنات فى الصلاة أيسر من الضحك فيها

قال فقال له وقعنا فى هذا ثم وثب فمضى

16 إبراهيم بن محمد بن العباس بن عثمان الشافعى ابن عم الإمام الشافعى

روى عن الشافعى والفضيل بن عياض وجده لأمه محمد بن على بن شافع والمنكدر بن محمد بن المنكدر وحماد بن زيد وابن عيينة وطائفة

روى عنه ابن ماجه فى سننه وأحمد بن سيار المروزى وأبو بكر بن أبى عاصم وبقى بن مخلد ومطين وغيرهم

قال أبو حاتم صدوق

وقال النسائى والدارقطنى ثقة

مات سنة سبع ويقال ثمان وثلاثين ومائتين

17 إبراهيم بن محمد بن هرم

روى عن الشافعى أنه قال فى قوله تعالى ‏{‏كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ‏}‏ لما حجبهم فى السخط كان دليلا على أنهم يرونه فى الرضا

وقد رواه غيره أيضا قال الربيع كنت ذات يوم عند الشافعى وجاءه كتاب من الصعيد يسألونه عن قوله عز وجل ‏{‏كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ‏}‏ فكتب لما حجب قوما بالسخط دل على أن قوما يرونه بالرضا

قلت له أو تدين بهذا يا سيدى فقال والله لو لم يوقن محمد بن إدريس أنه يرى ربه فى المعاد لما عبده فى الدنيا

قال البيهقى أنبأنى أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب المفسر إجازة قال سمعت أبا على الحسين بن أحمد الفسوى بها سمعت أبا نعيم عبد الملك بن محمد بن عدى الجرجانى سمعت الربيع فذكر الحكاية

قال الربيع كان ابن هرم يلزم الشافعى فقال له يا أبا عبد الله تملى علينا السنن التى صحت عن رسول الله فقال الشافعى السنن التى تصح قليلة هذا أبو بكر لا يصح له تسعة أحاديث وعمر لا يصح له خمسون حديثا وعثمان فأقل وعلى مع ما كان يحض الناس على الأخذ عنه لا يصح له حديث كثير والصحيح عند أهل المعرفة قليل

18 إبراهيم بن المنذر بن عبد الله بن المنذر بن المغيرة ابن عبد الله بن خالد بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى الحزامى المدنى

إمام ثقة جليل حدث عن سفيان بن عيينة وابن وهب ومعن بن عيسى وابن أبى فديك وأبى ضمرة والوليد بن مسلم وخلق كثير

روى عنه البخارى فى صحيحه وابن ماجه وبقى بن مخلد وابن أبى الدنيا ومحمد بن إبراهيم البوشنجى ومطين وخلق

قال صالح جزرة صدوق وكذا قال أبو حاتم

وقال الخطيب كان ثقة

وقال أبو الفتح الأزدى إبراهيم هذا فى عداد أهل الصدق وإنما حدث بالمناكير الشيوخ الذين روى عنهم فأما هو فهو صدوق

وقال أبو عبد الرحمن السلمى وسألته يعنى الدارقطنى عن إبراهيم الحزامى فقال ثقة

قلت كان حصل عند الإمام أحمد رضى الله عنه منه شيء لأنه قيل خلط فى مسألة القرآن كأنه مجمح فى الجواب

قلت وأرى ذلك منه تقية وخوفا ولكن الإمام أحمد شديد فى صلابته جزاه الله عن الإسلام خيرا ولو كلف الناس ما كان عليه أحمد لم يسلم إلا القليل

مات إبراهيم فى المحرم سنة ست وثلاثين ومائتين وقيل سنة خمس وثلاثين وكان ينشد لعبيد الله بن عبد الله بن عتبة

كتمت الهوى حتى أضر بك الكتم ** ولامك أقوام ولومهم ظلم

ونم عليك الكاشحون وقبله ** عليك الهوى قد نم لو ينفع النم

وزادك إغراء بها طول هجرها ** عليك وأبلى لحم أعظمك الهم

ألا ما لنفس لا تموت فينقضى ** عناها ولا تحيى حياة لها طعم

تجنبت إتيان الحبيب تأثما ** ألا إن هجران الحبيب هو الإثم

فذق هجرها قد كنت تزعم أنه ** رشاد ألا يا ربما كذب الزعم

قال إبراهيم بن المنذر سمعت الشافعى يقول رأيت سفيان بن عيينة قائما على باب كتاب فقلت ما تعمل قال أحب أن أسمع كلام ربى من فى هذا الغلام

19 إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم بن مطر الحنظلى أبو يعقوب المروزى ابن راهويه

أحد أئمة الدين وأعلام المسلمين وهداة المؤمنين الجامع بين الفقه والحديث والورع والتقوى نزيل نيسابور وعالمها

ولد سنة إحدى وقيل سنة ست وستين ومائة

وسمع من عبد الله بن المبارك سنة بضع وسبعين فترك الرواية عنه لكونه لم يتيقن الأخذ عنه

وارتحل فى طلب العلم سنة أربع وثمانين

وسمع قبل الرحلة من ابن المبارك كما عرفت ومن الفضل الشيبانى والنضر بن شميل وأبى نميلة يحيى بن واضح وعمر بن هارون

وسمع فى الرحلة من جرير بن عبد الحميد وسفيان بن عيينة وعبد العزيز الدراوردى وفضيل بن عياض ومعتمر بن سليمان وابن علية وبقية بن الوليد وحفص بن غياث وعبد الرحمن بن مهدى وعبد الوهاب الثقفى والوليد بن مسلم وعبد العزيز بن عبد الصمد العمى وأسباط بن محمد وحاتم ابن إسماعيل وعتاب بن بشير الجزرى وغندر وعبد الرزاق وأبى بكر بن عياش وخلق سواهم

روى عنه البخارى ومسلم وأبو داود والترمذى والنسائى وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين ومحمد بن يحيى الذهلى وإسحاق الكوسج والحسن بن سفيان ومحمد بن نصر المروزى ويحيى بن آدم وهو من شيوخه وأحمد بن سلمة وإبراهيم بن أبى طالب وموسى بن هارون وجعفر الفريابى وإسحاق بن إبراهيم النيسابورى البشتى وعبد الله بن محمد بن شيرويه وابنه محمد بن إسحاق بن راهويه وخلق آخرهم أبو العباس السراج

قال على بن إسحاق بن راهويه ولد أبى من بطن أمه مثقوب الأذنين فمضى جدى راهويه إلى الفضل بن موسى فسأله عن ذلك فقال يكون ابنك رأسا إما فى الخير وإما فى الشر

وقال أحمد بن سلمة سمعت إسحاق بن إبراهيم يقول قال لى عبد الله بن طاهر لم قيل لك ابن راهويه وما معنى هذا وهل تكره أن يقال لك هذا فقلت إن أبى ولد بطريق مكة وقالت المراوزة راهويه بأنه ولد فى الطريق وكان أبى يكره هذا وأما أنا فلست أكرهه

قال نعيم بن حماد إذا رأيت الخراسانى يتكلم فى إسحاق بن راهويه فاتهمه فى دينه

قلت إنما قيد الكلام بالخراسانى لأن أهل إقليم المرء هم الذين بحيث لو كان فيه كلام لتكلموا فيه فكأنه يقول من تكلم فيه من أهل إقليمه فهو متهم بالكذب لأنه لا يتكلم بحق لبراءته مما يشينه فى دينه

وقال أحمد بن حنبل لم يعبر الجسر إلى خراسان مثل إسحاق

وقال ابن عدى ركب إسحاق بن راهويه دين فخرج من مرو وجاء نيسابور فكلم أصحاب الحديث يحيى بن يحيى فى أمر إسحاق فقال ما تريدون قالوا تكتب إلى عبد الله بن طاهر رقعة وكان عبد الله أمير خراسان وكان بنيسابور فقال يحيى ما كتبت إليه قط فألحوا عليه فكتب فى رقعة إلى عبد الله بن طاهر أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم رجل من أهل العلم والصلاح فحمل إسحاق الرقعة إلى عبد الله بن طاهر فلما جاء إلى الباب قال للحاجب معى رقعة يحيى بن يحيى إلى الأمير فدخل الحاجب فقال له رجل بالباب زعم أن معه رقعة يحيى بن يحيى إلى الأمير فقال يحيى بن يحيى قال نعم قال أدخله فدخل إسحاق وناوله الرقعة فأخذها عبد الله وقبلها وأقعد إسحاق بجنبه وقضى دينه ثلاثين ألف درهم وصيره من ندمائه

قلت انظر ما كان أعظم أهل العلم عند الأمراء وانظر ما أدنى هذه الكلمة وأقصر هذه الرقعة وما ترتب عليها من الخير وما ذلك إلا لحسن اعتقاد ذلك الأمير وصيانة أهل العلم أيضا والناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم

وقال محمد بن أسلم الطوسى حين مات إسحاق ما أعلم أحدا كان أخشى لله من إسحاق يقول الله ‏{‏إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء‏}‏ وكان أعلم الناس

قلت كأن محمد بن أسلم يركب هذا من الضرب الأول من الشكل الأول فى المنطق فإنه ينحل إلى قولك كان ابن راهويه أعلم الناس وكل من كان أعلم الناس كان أخشى الناس ينتج كان إسحاق أخشى الناس والمقدمة الصغرى ينبغى أن تكون محققة باتفاق أو غيره فكأن كونه كان أعلم الناس أمر مفروغ منه حتى استنتج منه أخشى الناس

قال محمد بن أسلم ولو كان الثورى فى الحياة لاحتاج إلى إسحاق

وقال الدارمى ساد إسحاق أهل المشرق والمغرب بصدقه

وقال أحمد بن حنبل وذكر إسحاق لا أعرف له بالعراق نظيرا

وقال مرة وقد سئل عنه مثل إسحاق يسأل عنه إسحاق عندنا إمام

وقال النسائى إسحاق بن راهوية أحد الأئمة ثقة مأمون سمعت سعيد بن ذؤيب يقول ما أعلم على وجه الأرض مثل إسحاق

وقال ابن خزيمة والله لو كان إسحاق فى التابعين لأقروا له بحفظه وعلمه وفقهه

وقال على بن خشرم حدثنا ابن فضيل عن ابن شبرمة عن الشعبى قال ما كتبت سوداء فى بيضاء إلى يومى هذا ولا حدثنى رجل بحديث قط إلا حفظته فحدثت بهذا إسحاق بن راهويه فقال تعجب من هذا قلت نعم قال ما كنت أسمع شيئا إلا حفظته وكأنى أنظر إلى سبعين ألف حديث أو قال أكثر من سبعين ألف حديث فى كتبى

وقال أبو داود الخفاف سمعت إسحاق بن راهويه يقول لكأنى أنظر إلى مائة ألف حديث فى كتبى وثلاثين ألفا أسردها

قال وأملى علينا إسحاق أحد عشر ألف حديث من حفظه ثم قرأها علينا فما زاد حرفا ولا نقص حرفا

وعن إسحاق ما سمعت شيئا إلا وحفظته ولا حفظت شيئا قط فنسيته

وقال أبو يزيد محمد بن يحيى سمعت إسحاق يقول أحفظ سبعين ألف حديث عن ظهر قلبى

وقال أحمد بن سلمة سمعت أبا حاتم الرازى يقول ذكرت لأبى زرعة إسحاق بن راهويه وحفظه فقال أبو زرعة ما روى أحفظ من إسحاق

قال أبو حاتم والعجب من إتقانه وسلامته من الغلط مع ما رزق من الحفظ

قال فقلت لأبى حاتم إنه أملى التفسير عن ظهر قلبه فقال أبو حاتم وهذا أعجب فإن ضبط الأحاديث المسندة أسهل وأهون من ضبط أسانيد التفسير وألفاظها

وقال محمد بن عبد الوهاب كنت مع يحيى بن يحيى وإسحاق نعود مريضا فلما حاذينا الباب تأخر إسحاق وقال ليحيى تقدم فقال يحيى لإسحاق بل أنت تقدم فقال يا أبا زكريا أنت أكبر منى قال نعم أنا أكبر منك ولكنك أعلم منى قال فتقدم إسحاق

وقال أبو بكر محمد بن النضر الجارودى حدثنا شيخنا وكبيرنا ومن تعلمنا منه وتجملنا به أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم رضى الله عنه

وقال الحاكم هو إمام عصره في الحفظ والفتوى

وقال أبو إسحاق الشيرازى جمع بين الحديث والفقه والورع

وقال الخليلى فى الإرشاد كان يسمى شهنشاه الحديث

وقال أحمد بن سعيد الرباطى فى إسحاق

قربى إلى الله دعانى إلى ** حب أبى يعقوب إسحاق

لم يجعل القرآن خلقا كما ** قد قاله زنديق فساق

يا حجة الله على خلقه ** فى سنة الماضين للباقى

أبوك إبراهيم محض التقى ** سباق مجد وابن سباق

قال أبو يحيى الشعرانى إن إسحاق كان يخضب بالحنا

قال وما رأيت بيده كتابا قط إنما كان يحدث من حفظه

وقال وكنت إذا ذاكرت إسحاق فى العلم وجدته فردا فإذا جئت إلى أمر الدنيا وجدته لا رأى له

توفى إسحاق ليلة نصف شعبان سنة ثمان وثلاثين ومائتين

قال البخارى وله سبع وسبعون سنة

قال الخطيب فهذا يدل أن مولده سنة إحدى وستين

وفى ليلة موته يقول الشاعر

يا هدة ما هددنا ليلة الأحد ** فى نصف شعبان لا تنسى مدى الأبد

قال أبو عمرو المستملى النيسابورى أخبرنى على بن سلمة الكرابيسى وهو من الصالحين قال رأيت ليلة مات إسحاق الحنظلى كأن قمرا ارتفع من الأرض إلى السماء من سكة إسحاق ثم نزل فسقط فى الموضع الذى دفن فيه إسحاق

قال ولم أشعر بموته فلما غدوت إذا بحفار يحفر قبر إسحاق فى الموضع الذى رأيت القمر وقع فيه

قال الحاكم أبو عبد الله إسحاق بن راهويه وابن المبارك ومحمد بن يحيى هؤلاء دفنوا كتبهم

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المسند إذنا خاصا أخبرنا المسلم بن محمد بن علان أخبرنا زيد بن الحسن الكندى أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب أخبرنا الحسن بن الحسن بن رامين الإستراباذى القاضى أخبرنا أحمد بن محمد بن بندار الإستراباذى حدثنا عبد الله بن إسحاق المدائنى قال حدثنا الوليد بن شجاع حدثنى بقية عن إسحاق بن راهويه حدثنا المعتمر بن سليمان عن ابن فضاء عن أبيه عن علقمة بن عبد الله عن أبيه قال نهى رسول الله عن كسر سكة المسلمين الجائزة إلا من بأس

مناظرة بين الشافعى وإسحاق رضى الله عنهما

روى عن إسحاق بن راهويه قال كنا بمكة والشافعى بها وأحمد بن حنبل أيضا بها وكان أحمد يجالس الشافعى وكنت لا أجالسه فقال لى أحمد يا أبا يعقوب لم لا تجالس هذا الرجل فقلت ما أصنع به وسنه قريب من سننا كيف أترك ابن عيينة وسائر المشايخ لأجله قال ويحك إن هذا يفوت وذلك لا يفوت قال إسحاق فذهبت إليه وتناظرنا فى كراء بيوت أهل مكة وكان الشافعى تساهل فى المناظرة وأنا بالغت فى التقرير ولما فرغت من كلامى وكان معى رجل من أهل مرو فالتفت إليه وقلت مردك هكذا مردك واكمالى نيست يقول بالفارسية هذا الرجل ليس له كمال فعلم الشافعى أنى قلت فيه سوءا فقال لى أتناظر قلت للمناظرة جئت

قال الشافعى قال الله تعالى ‏{‏لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ‏}‏ فنسب الديار إلى مالكها أو إلى غير مالكها وقال النبى يوم فتح مكة ‏(‏ من أغلق بابه فهو آمن ومن دخل دار أبى سفيان فهو آمن ‏)‏ فنسب الديار إلى أربابها أم إلى غير أربابها واشترى عمر بن الخطاب دارا للسجن من مالك أو من غير مالك وقال النبى ‏(‏ وهل ترك لنا عقيل من دار ‏)‏

قال إسحاق فقلت الدليل على صحة قولى أن بعض التابعين قال به

فقال الشافعى لبعض الحاضرين من هذا

فقيل إسحاق بن إبراهيم الحنظلى

فقال الشافعى أنت الذى يزعم أهل خراسان أنك فقيههم

قال إسحاق هكذا يزعمون

فقال الشافعى ما أحوجنى أن يكون غيرك فى موضعك فكنت آمر بعرك أذنيه أقول قال رسول الله وأنت تقول قال عطاء وطاوس والحسن وإبراهيم وهل لأحد مع رسول الله حجة

فقال إسحاق اقرأ ‏{‏سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ‏}

فقال الشافعى هذا فى المسجد خاصة

وعن داود بن على الأصفهانى أنه كان يقول إن إسحاق لم يفهم احتجاج الشافعى فإن غرض الشافعى أن يقول لو كانت أرض مكة مباحة للناس لكان النبى يقول أى موضع أدركنا فى دار أى شخص نزلنا فإن ذلك مباح لنا فلما لم يقل ذلك بل قال ‏(‏ لم يترك لنا عقيل سكنا ‏)‏ دل ذلك على أن كل من ملك منها شيئا فهو مالك له منعه غيره أو لم يمنعه

ثم يحكى عن إسحاق أنه كان إذا ذكر الشافعى كان يأخذ لحيته بيده ويقول واحياى من محمد بن إدريس يعنى فى هذه المسألة ولا سيما فى قوله مردك لا كما لى نيست

وفى رواية قال إسحاق لما عرفت أنى أفحمت قمت

مناظرة أخرى بينهما

أخبرنا المحدث أبو زكريا يحيى بن يوسف بن أبى محمد المقدسى المعروف بابن الصيرفى قراءة عليه وأنا أسمع فى سادس رجب سنة خمس وثلاثين وسبعمائة بمصر قال أخبرنا عبد الوهاب بن رواج إجازة قال أخبرنا الحافظ أبو طاهر السلفى سماعا عليه أخبرنا المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفى ببغداد قراءة أخبرنا أبو الحسن على بن أحمد بن على الفالى أخبرنا القاضى أبو عبد الله أحمد بن إسحاق بن خربان النهاوندى أخبرنا القاضى أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزى حدثنا زكريا الساجى حدثنى جماعة من أصحابنا أن إسحاق ابن راهويه ناظر الشافعى وأحمد بن حنبل حاضر فى جلود الميتة إذا دبغت

فقال الشافعى دباغها طهورها

فقال إسحاق ما الدليل

فقال الشافعى حديث الزهرى عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن ميمونة أن النبى مر بشاة ميتة فقال ‏(‏ هلا انتفعتم بجلدها ‏)‏

فقال إسحاق حديث ابن عكيم كتب إلينا رسول الله قبل موته بشهر ‏(‏ لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب ‏)‏ أشبه أن يكون ناسخا لحديث ميمونة لأنه قبل موته بشهر

فقال الشافعى هذا كتاب وذاك سماع

فقال إسحاق إن النبى كتب إلى كسرى وقيصر وكان حجة عليهم عند الله

فسكت الشافعى فلما سمع ذلك أحمد بن حنبل ذهب إلى حديث ابن عكيم وأفتى به ورجع إسحاق إلى حديث الشافعى فأفتى بحديث ميمونة

قلت وهذه المناظرة حكاها البيهقى وغيره وقد يظن قاصر الفهم أن الشافعى انقطع فيها مع إسحاق وليس الأمر كذلك ويكفيه مع قصور فهمه أن يتأمل رجوع إسحاق إلى قول الشافعى فلو كانت حجته قد نهضت على الشافعى لما رجع إليه

ثم تحقيق هذا أن اعتراض إسحاق فاسد الوضع لا يقابل بغير السكوت بيانه أن كتاب عبد الله بن عكيم كتاب عارضه سماع ولم يتيقن أنه مسبوق بالسماع وإنما ظن ذلك ظنا لقرب التاريخ ومجرد هذا لا ينهض بالنسخ أما كتب رسول الله إلى كسرى وقيصر فلم يعارضها شيء بل عضدتها القرائن وساعدها التواتر الدال على أن هذا النبى جاء بالدعوة إلى ما فى هذا الكتاب فلاح بهذا أن السكوت من الشافعى تسجيل على إسحاق بأن اعتراضه فاسد الوضع فلم يستحق عنده جوابا وهذا شأن الخارج عن المبحث عند الجدليين فإنه لا يقابل بغير السكوت ورب سكوت أبلغ من نطق ومن ثم رجع إليه إسحاق ولو كان السكوت لقيام الحجة لأكد ذلك ما عند إسحاق فافهم ما يلقى إليك

مسائل غريبة عن إسحاق رحمه الله تعالى

الصحيح عند أصحابنا أن صلاة الكافر لا تصيره مسلما سواء كان فى دار الحرب أم فى دار الإسلام

وحكى قول فى الحربى يصلى فى دار الحرب والمسألة مبسوطة فى المذهب مطلقة غير مقيدة بصلاة واحدة أو بصلوات كثيرة

ونقل ابن عبد البر أن إسحاق بن راهويه قال إن العلماء أجمعوا فى الصلاة على ما لم يجمعوا عليه فى سائر الشرائع فقالوا من عرف بالكفر وكان لا يصلى ثم رأؤه يصلى حتى صلى صلوات كثيرة فى وقتها ولم يعرفوا منه إقرار باللسان أنه يحكم له بالإيمان وليس كذلك فى الصوم والزكاة والحج انتهى

وأقره ابن عبد البر عليه وهو فرع غريب ظاهر كلام المذهبين أنه لا فرق بين أن تكرر منه الصلاة أو لا تكرر

20 إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن إسحاق الإمام الجليل أبو إبراهيم المزنى

ناصر المذهب وبدر سمائه

ولد سنة خمس وسبعين ومائة

وحدث عن الشافعى ونعيم بن حماد وغيرهما

روى عنه ابن خزيمة والطحاوى وزكريا الساجى وابن جوصا وابن أبى حاتم وغيرهم

وكان جبل علم مناظرا محجاجا

قال الشافعى رضى الله عنه فى وصفه لو ناظره الشيطان لغلبه

وكان زاهدا ورعا متقللا من الدنيا مجاب الدعوة وكان إذا فاتته صلاة فى جماعة صلاها خمسا وعشرين مرة ويغسل الموتى تعبدا واحتسابا ويقول أفعله ليرق قلبى

قال أبو الفوارس السندى كان المزنى والربيع رضيعين

وقال أبو إسحاق الشيرازى كان زاهد عالما مجتهدا مناظرا محجاجا غواصا على المعانى الدقيقة صنف كتبا كثيرة الجامع الكبير والجامع الصغير والمختصر والمنثور والمسائل المعتبرة والترغيب فى العلم وكتاب الوثائق وكتاب العقارب وكتاب نهاية الاختصار

قال الشافعى المزنى ناصر مذهبى

وقال الربيع بن سليمان دخلنا على الشافعى رضى الله عنه عند وفاته أنا والبويطى والمزنى ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال فنظر إلينا الشافعى ساعة فأطال ثم التفت إلينا فقال أما أنت يا أبا يعقوب فستموت فى حديد لك وأما أنت يا مزنى فسيكون لك بمصر هنات وهنات ولتدركن زمانا تكون أقيس أهل ذلك الزمان وأما أنت يا محمد فسترجع إلى مذهب أبيك وأما أنت يا ربيع فأنت أنفعهم لى فى نشر الكتب قم يا أبا يعقوب فتسلم الحلقة

قال الربيع فكان كما قال

قلت وذكروا أن المزنى كان إذا فرغ من مسألة فى المختصر صلى ركعتين

وقال عمرو بن عثمان المكى ما رأيت أحدا من المتعبدين فى كثرة من لقيت منهم أشد اجتهادا من المزنى ولا أدوم على العبادة منه وما رأيت أحدا أشد تعظيما للعلم وأهله منه وكان من أشد الناس تضييقا على نفسه فى الورع وأوسعه فى ذلك على الناس وكان يقول أنا خلق من أخلاق الشافعى

وقال أبو عاصم لم يتوضأ المزنى من حباب ابن طولون ولم يشرب من كيزانه قال لأنه جعل فيه سرجين والنار لا تطهر

وقيل إن بكار بن قتيبة لما قدم مصر على قضائها وهو حنفى فاجتمع بالمزنى مرة فسأله رجل من أصحاب بكار فقال قد جاء فى الأحاديث تحريم النبيذ وتحليله فلم قدمتم التحريم على التحليل فقال المزنى لم يذهب أحد إلى تحريم النبيذ فى الجاهلية ثم تحليله لنا ووقع الاتفاق على أنه كان حلالا فحرم فهذا يعضد أحاديث التحريم فاستحسن بكار ذلك منه

أخذ عن المزنى خلائق من علماء خراسان والعراق والشام

وتوفى لست بقين من شهر رمضان سنة أربع وستين ومائتين

ومن الرواية عن أبى إبراهيم رحمه الله تعالى

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ بقراءتى عليه أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن الحنبلى غير مرة أخبرنا أبو محمد الحسن بن على بن الحسن بن الحسين بن البز الأسدى سنة ثلاث وعشرين أخبرنا جدى الحسين أخبرنا على بن محمد بن على الشافعى سنة أربع وثمانين وأربعمائة أخبرنا محمد بن الفضل الفراء بمصر أخبرنا أبو الفوارس أحمد بن محمد الصابونى سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة أخبرنا المزنى أخبرنا الشافعى عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله نهى عن الوصال فقيل إنك تواصل فقال لست مثلكم إنى أطعم وأسقى

وبهذا الإسناد أن رسول الله رمضان فقال لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له

وبه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على السنة على الناس صاع من تمر وصاع من شعير على كل حر وعبد وذكر وأنثى من المسلمين متفق عليها

وهى من الأسانيد التى ينبغى أن تسمى عقد الجوهر ولا حرج

وقد وقع لنا جزء أخرجه الإمام الجليل أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفراينى فيه ما فى مختصر أبى إبراهيم المزنى من الأحاديث بالأسانيد أخبرنا به شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزى قراءة عليه وأنا أسمع يوم الجمعة رابع عشر شهر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين وسبعمائة بدار الحديث الأشرفية بدمشق قال أخبرنا أبو حفص عمر بن يحيى الكرخى بقراءتى عليه أخبرنا الحافظ أبو عمرو ابن الصلاح

ح قال شيخنا وأخبرنا أيضا أبو عبد الله محمد بن عبد السلام بن أبى عصرون التميمى وست الأمناء أمينة بنت أبى نصر عبد الرحيم بن محمد بن الحسن بن عساكر وأبو الفضل أحمد بن هبة الله بن عساكر وأبو محمد عبد الواسع بن عبد الكافى الأبهرى بقراءتى عليهم قالوا أخبرنا أبو بكر القاسم بن أبى سعد عبد الله ابن عمر بن أحمد الصفار قال ابن الصلاح سماعا عليه وقال الباقون كتابة أخبرنا الإمام أبو منصور عبد الخالق بن زاهر الشحامى أخبرنا الرئيس أبو عمرو عثمان بن محمد المحمى أخبرنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسن بن محمد بن إسحاق الأزهرى الإسفراينى قراءة عليه فى رجب سنة تسع وتسعين وثلثمائة أخبرنا خال أمى أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الحافظ سنة ست عشرة وثلثمائة حدثنا أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزنى قال قال الشافعى أخبرنا سفيان عن الزهرى عن أبى سلمة عن أبى هريرة أن رسول الله قال ‏(‏ إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده فى الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدرى أين باتت يده ‏)‏

هذا أول أحاديث الجزء وكله سماعا بهذا السند وأكثره بمثل هذا الإسناد العظيم فمن أبى نعيم إلى أبى هريرة كلهم أئمة أجلاء ثمانية من السادات علما ودينا وإتقانا

ومن مستغرب روايات أبى إبراهيم عن الشافعى ومستظرفها

قال البيهقى فى كتاب أحكام القرآن الذى جمعه من كلام الشافعى وهو كتاب نفيس من ظريف مصنفات البيهقى سمعت أبا عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبدان الكرمانى يقول سمعت أبا الحسن محمد بن أبى إسماعيل العلوى ببخارى يقول سمعت أحمد بن محمد بن حسان المصرى بمكة يقول سمعت المزنى يقول سئل الشافعى عن قول الله عز وجل ‏{‏إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ‏}‏ قال معناه ما تقدم من ذنب أبيك آدم عليه السلام وهبته لك وما تأخر من ذنوب أمتك أدخلهم الجنة بشفاعتك

قال البيهقى وهذا قول مستظرف

قال والذى وضعه الشافعى يعنى فى تفسير هذه الآية فى تصنيفه وصح فى الرواية وأشبه بظاهر الآية يعنى ما تقدم قبل الوحى وما تأخر أن يعصمه فلا يذنب فعلم ما يفعل به من رضاه عنه وأنه أول شافع وأول مشفع يوم القيامة وسيد الخلائق كذا رواه الربيع عن الشافعى

قلت وقد نقل عن عطاء الخراسانى مثل التفسير الذى رواه المزنى عن الشافعى وهو أنه قال ما تقدم من ذنب أبويك آدم وحواء ببركتك وما تأخر من ذنب أمتك بدعوتك

قال الطحاوى حدثنا المزنى قال سمعت الشافعى يقول دخل ابن عباس على عمرو بن العاص وهو مريض فقال كيف أصبحت فقال أصبحت وقد أفسدت من دنياى كثيرا وأصلحت من دينى قليلا فلو كان ما أصلحت هو ما أفسدت لفزت ولو كان ينفعنى أن أطلب طلبت ولو كان ينجينى أن أهرب هربت فعظنى بموعظة أنتفع بها يا ابن أخى فقال هيهات يا أبا عبد الله فقال اللهم إن ابن عباس يقنطنى من رحمتك فخذ منى حتى ترضى

قال أبو إبراهيم المزنى رحمه الله كنت يوما عند الشافعى أسائله عن مسائل بلسان أهل الكلام قال فجعل يسمع منى وينظر إلى ثم يجيبنى عنها بأحضر جواب فلما اكتفيت قال لى يا بنى أدلك على ما هو خير لك من هذا قلت نعم فقال يا بنى هذا علم إن أنت أصبت فيه لم تؤجر وإن أخطأت فيه كفرت فهل لك فى علم إن أصبت فيه أجرت وإن أخطأت لم تأثم قلت وما هو قال الفقه فلزمته فتعلمت منه الفقه ودرست عليه

قال وكنت يوما عنده إذ دخل عليه حفص الفرد فسأله عن سؤالات كثيرة فبينما الكلام يجرى بينهما وقد دق حتى لا أفهمه إذ التفت إلى الشافعى مسرعا فقال يا مزنى قلت لبيك قال تدرى ما قال حفص قلت لا قال خير لك أن لا تدرى

قلت قوله بأحضر جواب هو بالحاء المهملة بعدها ضاد منقوطة أفعل تفضيل من حضر يحضر كذا سمعت والدى رحمه الله يلفظ به وقد حدثنا بهذه الحكاية من لفظه أخبرنا عبد الرحمن بن مخلوف بن جماعة أخبرنا ابن رواج أخبرنا السلفى أخبرنا العلاف أخبرنا الحمامى أخبرنا الختلى حدثني أبو اليسار الأحول سمعت أبا إبراهيم يقول فذكره

قال أبو إبراهيم سمعت الشافعى يقول ما رفعت أحدا فوق منزلته إلا حط منى بمقدار ما رفعت منه

قال الرافعى فى باب المسابقة عن المزنى أنه قال سألنا الشافعى أن يصنف لنا كتاب الرمى والسبق فذكر لنا أن فيه مسائل صعابا ثم أملاه علينا ولم يسبق إلى تصنيف هذا الكتاب انتهى

قلت قوله ولم يسبق إلى تصنيف هذا الكتاب هو من كلام

قال المزنى سمعت الشافعى يقول من تعلم القرآن عظمت قيمته ومن نظر في الفقه نبل قدره ومن كتب الحديث قويت حجته ومن نظر فى اللغة رق طبعه ومن نظر فى الحساب جزل رأيه ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه

قال ابن خزيمة عن المزنى سئل الشافعى عن نعامة ابتلعت جوهرة لرجل فقال لست آمره بشيء ولكن إن كان صاحب الجوهرة كيسا عدا على النعامة فذبحها واستخرج جوهرته ثم ضمن لصاحب النعامة ما بين قيمتها حية ومذبوحة

قال المزنى سمعت الشافعى يقول رأيت بالمدينة أربع عجائب رأيت جدة بنت واحدة وعشرين سنة ورأيت رجلا فلسه القاضى فى مدين نوى ورأيت شيخا قد أتى عليه تسعون سنة يدور نهاره أجمع حافيا راجلا على القينات يعلمهن الغناء فإذا أتى الصلاة صلى قاعدا ونسيت الرابعة

قال المزنى مررنا مع الشافعى إبراهيم بن إسماعيل بن علية على دار قوم وجارية تغنيهم

خليلى ما بال المطايا كأننا ** نراها على الأعقاب بالقوم تنكص

فقال الشافعى ميلوا بنا نسمع فلما فرغت قال الشافعى لإبراهيم أيطربك هذا قال لا قال فما بالك

قال الأنماطى قال المزنى أنا أنظر فى كتاب الرسالة منذ خمسين سنة ما أعلم أنى نظرت فيه مرة إلا وأنا أستفيد شيئا لم أكن عرفته

قال المزنى سمعت الشافعى يقول القدرية الذين قال رسول الله ‏(‏ هم مجوس هذه الأمة ‏)‏ الذين يقولون إن الله لا يعلم بالمعاصى حتى تكون

وقال سمعت الشافعى يقول أقمت أربعين سنة أسأل الذين تزوجوا فما منهم أحد قال إنه رأى خيرا

قال وسمعته يقول أظلم الظالمين لنفسه من تواضع لمن لا يكرمه ورغب فى مودة من لا ينفعه

وعن المزنى سمعت الشافعى يقول لا يحل لأحد سمع حديث رسول الله فى رفع اليدين فى افتتاح الصلاة وعند الركوع والرفع من الركوع أن يترك الاقتداء بفعله

قلت هذا صريح فى أنه يوجب ذلك

وروى الحافظ أبو الحسن على بن الحسن بن حمكان فى كتابه فى مناقب الشافعى أن المزنى قال سمعت الشافعى يقول بعث إلى هارون الرشيد ليلا الربيع فهجم على من غير إذن فقال لى أجب

فقلت له فى مثل هذا الوقت وبغير إذن

قال بذلك أمرت

فخرجت معه فلما صرت بباب الدار قال لى اجلس فلعله قد نام أو قد سكنت سورة غضبه فدخل فوجد الرشيد منتصبا فقال ما فعل محمد بن إدريس قلت قد أحضرته فخرجت فأشخصته

قال الشافعى فتأملنى ثم قال لى يا محمد أرعبناك فانصرف راشدا يا ربيع احمل معه بدرة ودراهم قال فقلت لا حاجة لى فيها قال أقسمت عليك إلا أخذتها فحملت بين يدى

فلما خرجت قال لى الربيع بالذى سخر لك هذا الرجل ما الذى قلت فإنى أحضرتك وأنا أرى موضع السيف من قفاك فقلت سمعت مالك بن أنس يقول سمعت نافعا يقول سمعت عبد الله بن عمر رضى الله عنهما يقول دعا رسول الله يوم الأحزاب بهذا الدعاء فكفى وهو ‏(‏ اللهم إنى أعوذ بنور قدسك وبركة طهارتك وعظم جلالك من كل طارق إلا طارقا يطرق بخير اللهم أنت غياثى فبك أغوث وأنت عياذى فبك أعوذ وأنت ملاذى فبك ألوذ يا من ذلت له رقاب الجبابرة وخضعت له مقاليد الفراعنة أجرنى من خزيك وعقوبتك فى ليلى ونهارى ونومى وقرارى لا إله إلا أنت تعظيما لوجهك وتكريما لسبحاتك فاصرف عنى شر عبادك واجعلنى فى حفظ عنايتك وسرادقات حفظك وعد على بخير منك يا أرحم الراحمين ‏)‏

النظر فى النجوم وما يؤثر عن الشافعى فى ذلك

عن المزنى سمعت الشافعى يقول ضاع منى دنانير فجئت بقائف فنظر الحكاية

ونظيرها قول عبد الله بن محمد بن العباس بن عثمان الشافعى يقول كان محمد بن إدريس الشافعى وهو حدث ينظر فى النجوم الحكاية وفى آخرها وقد صدق معه بعض المنجمين فجعل الشافعى على نفسه أن لا ينظر فى النجوم

واعلم أنه قد يعترض معترض على نظر هذا الإمام فى النجوم فيجيب مجيب أن ذلك كان فى حداثة سنه وليس هذا بجواب والخطب فى مسألة النظر فى النجوم جليل عسير وجماع القول أن النظر فيه لمن يحب إحاطة بما عليه أهله غير منكر أما اعتقاد تأثيره وما يقوله أهله فهذا هو المنكر ولم يقل بحله لا الشافعى ولا غيره

ورأيت الشيخ برهان الدين بن الفركاح ذكر فى كتاب الشهادات من تعليقه وقد ذكر عن الشافعى ما ذكرناه إن كان المنجم يقول ويعتقد أن لا يؤثر إلا الله لكن أجرى الله تعالى العادة بأنه يقع كذا عند كذا والمؤثر هو الله فهذا عندى لا بأس به وحيث جاء الذم ينبغى أن يحمل على من يعتقد تأثير النجوم وغيرها من المخلوقات انتهى

وكانت المسألة قد وقعت فى زمانه فذكر هو ما ذكرناه

وأفتى الشيخ كمال الدين بن الزملكانى بالتحريم مطلقا وأطال فيه وليس ما ذكره بالبين والظن أنه لو استحضر صنيع الشافعى لما أطلق لسانه هذا الإطلاق

وأفتى ابن الصلاح بتحريم الضرب فى الرمل وبالحصى ونحو ذلك

ولأهل العلم على قوله تعالى حكاية عن إبراهيم الخليل عليه السلام ‏{‏فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ‏}‏ مباحث

ذكر البحث عن تخريجات المزنى رحمه الله وآرائه هل تلتحق بالمذهب

قال الرافعى فى باب الوضوء تفردات المزنى لا تعد من المذهب إذا لم يخرجها على أصل الشافعى

ونقل أعنى الرافعى عما علق عن الإمام فى مسألة خلع الوكيل أن المزنى لا يخالف أصول الشافعى وأنه ليس كأبى يوسف ومحمد فإنهما يخالفان أصول صاحبهما

والذى رأيته فى النهاية فى هذه المسألة والذى أراه أن يلحق مذهبه فى جميع المسائل بالمذهب فإنه ما انحاز عن الشافعى فى أصل يتعلق الكلام فيه بقاطع وإذا لم يفارق الشافعى فى أصوله فتخريجاته خارجة على قاعدة إمامه وإن كان لتخريج مخرج التحاق بالمذهب فأولاها تخريج المزنى لعلو منصبه وتلقيه أصول الشافعى وإنما لم يلحق الأصحاب مذهبه فى هذه المسألة لأن من صيغة تخريجه أن يقول قياس مذهب الشافعى كذا وكذا فإذا انفرد بمذهب استعمل لفظة تشعر بانحيازه وقد قال فى هذه المسألة لما حكى جواب الشافعى ليس هذا عندى بشيء واندفع فى توجيه مذهبه

والمسألة إذا وكلته فى الخلع بمقدر فزاد عليه وأضاف فمنصوص الشافعى أن البينونة حاصلة ومذهب المزنى أن الطلاق لا يقع

قلت ولعل الشهرستانى صاحب كتاب الملل والنحل تلقى هذا الكلام من الإمام فإنه ذكر فى كتابه أن المزنى وغيره من أصحاب الشافعى لا يزيدون على اجتهاده اجتهادا ولكن فى كلام الإمام ما يقتضى أنه أعنى المزنى ربما اختار لنفسه وانحاز عن المذهب وهذا هو الظاهر

وينبغى أن يكون الفيصل فى المزنى أن تخريجاته معدودة من المذهب لأنها على قاعدة الإمام الأعظم وإلى ذلك أشار الإمام أبو المعالى بقوله إن كان لتخريج مخرج التحاق إلى آخره وأما اختياراته الخارجة عن المذهب فلا وجه لعدها ألبتة

وأما إذا أطلق فذلك موضع النظر والاحتمال وأرى أن ما كان من تلك المطلقات فى مختصره تلتحق بالمذهب لأنه على أصول المذهب بناه وأشار إلى ذلك بقوله فى خطبته هذا مختصر اختصرته من علم الشافعى ومن معنى قوله

وأما ما ليس فى المختصر بل هو فى تصانيفه المستقلة فموضع التوقف وهو فى مختصره المسمى نهاية الاختصار يصرح بمخالفة الشافعى فى مواضع فتلك لا تعد من المذهب قطعا

وقال النووى فى مقدمة شرح المهذب الأوجه لأصحاب الشافعى رضى الله عنه المنتسبين إلى مذهبه يخرجونها على أصوله ويستنبطونها من قواعده ويجتهدون فى بعضها وإن لم يأخذوه من أصله انتهى

وقوله ويجتهدون فى بعضها وإن لم يأخذوه من أصله يوهم أنه يعد من المذهب مطلقا وليس كذلك بل القول الفصل فيما اجتهدوا فيه ولم يأخذوه من أصله أنه لا يعد إلا إذا لم يناف قواعد المذهب فإن نافاها لم يعد وإن ناسبها عد وإن لم يكن فيه مناسبة ولا منافاة وقد لا يكون لذلك وجود لإحاطة المذهب بالحوادث كلها ففى إلحاقه بالمذهب تردد

وكل تخريج أطلقه المخرج إطلاقا فيظهر أن ذلك المخرج إن كان ممن يغلب عليه التمذهب والتقيد كالشيخ أبى حامد والقفال عد من المذهب وإن كان ممن كثر خروجه كالمحمدين الأربعة فلا يعد

وأما المزنى وبعده ابن سريج فبين الدرجتين لم يخرجوا خروج المحمدين ولم يتقيدوا بقيد العراقيين والخراسانيين

ومن المسائل عن أبى إبراهيم

قال أبو عاصم ناظر أبو إبراهيم فى مجلس ابن طولون فى القضاء على الغائب فألزم الحاضر فى المجلس فقال من يجوز القضاء على الغائب يجوزه على الحاضر

قال ونقله الشاشى إلى كتابه

قال وفى كتب الشافعى أنه يجوز السماع ولا يحكم حتى يقول له هل لك طعن

قلت وهى وجوه مسطورة فى المذهب أصحها المنع وثالثها يسمع ولا يحكم

قال أبو عاصم وصنف المزنى كتاب العقارب وقال فيه إن القصاص فى النفس لا يسقط بعفوه عن الجراحة

قلت هو المشهور عن أبى الطيب بن سلمة ويحكى عن تخريج ابن سريج وقد رأيته فى العقارب كما نقل العبادى وعبارة المزنى أنه الأقيس

قال العبادى وقال فيه إن المضطر يأكل الآدمى الميت

قلت قد رأيته أيضا فى العقارب وعبارته وقد سئل عن مضطر لا يجد ميتة ووجد لحم إنسان هل يأكله إن القياس أن يأكل فقد أباح النبى سب الله تعالى وهو أعظم وأجل قال ‏(‏ والساب لله كافر والمستخف بحق الله كافر غير أن الساب لله أعظم جرما وأطال فيه ‏)‏

فأما قوله ‏(‏ الصحيح أنه يأكل ‏)‏ فهو الصحيح فى المذهب قال إبراهيم المروروذى إلا أن يكون الميت نبيا

قلت كتاب العقارب مختصر فيه أربعون مسألة ولدها المزنى ورواها عنه الأنماطى وأظن ابن الحداد نسج فروعه على منوالها

ومن غرائب العقارب

رأيت المزنى قد نقل فيها إجماع العلماء أن من حلف ليقضين فلانا حقه غدا واجتهد فعجز أنه حانث واستشهد به للرد على الشافعى وأبى حنيفة ومالك فإنه نقل عنهم فيمن قال لامرأته إن لم أطأك الليلة فأنت طالق فوجدها حائضا أو محرمة أو صائمة أو كان قد ظاهر منها ولم يكفر أنه لا حنث عليه لأنه لا سبيل له إلى وطئها

ثم قال يدخل عليهم أن يقال ليس التحليل والتحريم من الأيمان بشيء ألا ترى أن من حلف أن يعصى الله فلم يفعل أنه حانث وإن فعل بر وقد أجمعت العلماء أنه من حلف ليقضين فلانا حقه غدا واجتهد فعجز أنه حانث عندهم ففى هذا دليل أن علة هؤلاء من الإكراه ليس بعلة انتهى

وما نقله من الإجماع لابد أن ينازع فيه وأقل أحواله أن يكون فيه قولا المكره

وقد نقل الرافعى فى فروع الطلاق عن العقارب ما نقلناه وقال قد قيل إن المذهب ما قاله المزنى وهو اختيار القفال وقيل هو على الخلاف فى فوات البر بالإكراه

قلت وحاصل الأمر أن هنا إكراها شرعيا على عدم الوطء وفى إلحاقه بالإكراه الحسى نظر والأشبه أنه لا يلتحق به لأن فى الرافعى وغيره فيمن حلف لا يفارق غريمه حتى يستوفى فأفلس ثم فارقه أنه يحنث وإن كان الشرع لا يجوز له ملازمته بعد الإفلاس فما ذكره المزنى هو القياس الظاهر

قال المزنى فى كتابه نهاية الاختصار وقد وقفت منها على أصل قديم كتب سنة ثمانين وأربعمائة إنه لا حد لأقل الحيض وهو كذلك فى ترتيب الأقسام للمرعشى ولعله من هذا الكتاب أخذه

ثم قال المزنى فى النفاس وأكثره ستون يوما فى رأى الشافعى وفى رأيى أربعون يوما انتهى

وكثيرا ما يذكر فى هذا المختصر آراء نفسه وهو مختصر جدا لعله نحو ربع التنبيه أو دونه

وذكر فيها من باب الاستبراء قول الشافعى فيه ثم نص على مذهبه فى الاستبراء المعزو إليه فى الرافعى وغيره فقال وقولى أن ليس على أحد ملك أمة بأى وجه ملكها استبراء إلا أن تكون موطوءة لم تستبرأ وكانت حاملا انتهى

وعبارة الروضة فى نقل هذا عنه وعن المزنى فها هو وقد صرح به

وذكر فى باب الكتابة مذهب الشافعى فى وجوب إتيان المكاتب ولم يوافقه وهذه عبارة نهاية الاختصار وعلى سيده أن يضع عنه من كتابته شيئا فى قول الشافعى ولم يحد فى ذلك حدا ولا تبين عندى أن ذلك عليه انتهى

وذهب المزنى إلى أن العبد المكاتب فى المرض إن لم يخرج كله من الثلث لم يعتق منه شيء وإن خرج بعضه وهذه عبارته ولو كاتب عبده فى مرض موته جاز إن خرج العبد من ثلث ماله فإن لم يخرج كله جاز منه ما خرج من الثلث فى قول الشافعى وفى رأيى إن لم يخرج كله من الثلث لم يجز منها شيء انتهى

ومن دقيق مستدركات أبى إبراهيم

شكك رحمه الله على قتل تارك الصلاة مشيرا إلى أنه لا يتصور لأنه إما أن يكون على ترك صلاة مضت أو لم تأت والأول باطل لأن المقضية لا يقتل بتركها والثانى كذلك لأنه ما لم يخرج الوقت فله التأخير فعلام يقتل

قلت وهذا تشكيك صعب وأقصى ما تحصلت فى دفعه من كلام الأصحاب على ثلاثة مسالك

المسلك الأول أن هذا يلزمكم فى حبسه وتعزيره فإن المزنى يقول يحبس تاركها ويعزر وهذه طريقة القاضى أبى الطيب وذكرها الشيخ أبو حامد أيضا قال فما كان جوابا للمزنى عن الحبس والتعزير فهو جوابنا عن القتل

قلت وهى طريقة جدلية لا أرضاها

والمسلك الثانى وعليه الأكثر قالوا بقتله على الماضية لأنه تركها بلا عذر والقضاء فى هذه الصورة على الفور فإذا امتنع منه قتل

قلت ولا أرضى هذا المسلك أيضا لأن لنا خلافا شهيرا فى أن القضاء هل يجب على الفور جمهور العراقيين على عدم الوجوب فعلى هذه الطريقة يلزم أن يجىء خلاف فى قتل تارك الصلاة وذلك لا يعرف

بل أقول وقع فى كلام كثير من المتقدمين التصريح بأن الشافعى لا يقتل بالمقضية مطلقا

ووجدت فى تعليق الشيخ أبى حامد أن أبا إسحاق قال لا خلاف بين أصحابنا أنه لا يقتل بالامتناع من القضاء

والمسلك الثالث وهو عندى خير المسالك أنا نقتله للمؤداة فى آخر وقتها وذلك إذا لم يبق بينه وبين آخر وقتها إلا قدر ما يصلى فيه فرض الوقت وهذا نص عليه الشيخ أبو حامد فى التعليقة وهو جيد لكن يلزم منه أن تكون المبادرة إلى قتل تارك الصلاة أحق منها إلى المرتد فإن المرتد يستتاب وهذا لا يستتاب لأنه لو أمهل مدة الاستتابة لخرج الوقت ولو خرج لصارت مقضية لا مؤداة

لا يخفى على الفطن صعوبة تشكيك المزنى رحمه الله تعالى

وقد سلك ابن الرفعة فى فسخ المرأة بإعسار زوجها عن نفقتها حيث قال قال الأصحاب إن الفسخ يكون بالعجز عن نفقة اليوم الرابع أو بعد مضى يوم وليلة ونازع الرافعى فى بحث له هناك ذكره فى مواضع من باب نفقة الزوجة فلينظر

وعلى مساقة نقرر نحن طريقة المزنى هكذا لو قتل بتركها فإما أن يكون وقتها قد خرج فيلزم القتل على المقضية أو لم يخرج بل هو باق موسع ولا قائل به أو باق وقد يضيق فإما أن لا يمهل للاستتابة فيلزم أن يكون حاله أشد من المرتد أو يمهل فيلزم أن تعود مقضية وإذا عادت فإما أن يكون تاركا لصلاة تجددت بعدها والقتل للمتجددة لعله أولى للإجماع على أنه لا يجوز إخراجها عن وقتها بخلاف المقضية فإن لنا خلافا فى وجوب فعلها على الفور وإذا انتقل القتل إليها فهى ذنب غير الذنب بترك تلك فليجدد لها مدة توبة وهكذا وإما أن لا يكون تاركا لصلاة تجددت وهذا قد يلتزم لكن لا بد أن يطرقه الخلاف فى وجوب القضاء على الفور

ومن مستدركات الأصحاب على أبى إبراهيم

وذلك كثير ثم هو عند مخالفته الشافعى ضربة لازب فلنقتصر على غريب مما وراءه فمنه

قال المزنى فى المناضلة لو أخرج فخرج مالا وقال لرام ارم عشرة فإن كانت إصابتك أكثر فلك المال لم يجز لأنه ناضل نفسه ذكره نقلا عن الشافعى

وافترق الأصحاب فأكثرهم خطأه نقلا وتعليلا وقالوا قد نص الشافعى على الجواز ثم هو الوجه لأن المقصود من إخراج السبق التحريض على الرمى فلا فرق بين صدوره من رام واحد أو جماعة

قالوا وقوله ناضل نفسه خطأ بلا شك انتقل فيه ذهنه من مسألة أخرى قالها الشافعى وهى ارم عشرة عن نفسك وعشرة عنى فإن كانت القرعات فى عشرتك أكثر فلك ما أخرجت فهنا يكون مناضلا نفسه وفيه نص الشافعى على المنع لأنه قد يقصر فى العشرة المشروطة للسبق فيكون مناضلا نفسه

قالوا وقد نقل الربيع الصورتين على الصواب وترقت رتبة الربيع من أجل ذلك ونحوه فى المنقول لأنه يعتمد غالبا ألفاظ الإمام الأعظم فقل ما تطرق إليه الخطأ والمزنى رحمه الله ربما أدلى بعلمه وجودة فطنته فغير اللفظ ومن هناك يؤتى حتى انتهى الربيع إلى أن تترجح رواياته وإن كان الفقه وراءها كما سيأتى إن شاء الله فى أوائل ترجمته

وأقصى ما فعله المساعدون للمزنى أن تأولوا كلامه وليس فيهم من أخذ بظاهره فإن مناضلته لنفسه لا تعقل